ثانياً : شروط الحفظ
نقطة مهمة جداً ومكملة لما سبق لأنها تتعلق بالاتقان قبل الحفظ، فسواءاً
اخترت الطريقة الأولى أو الثانية فلابد من هذه الشروط لتكون طريقتك
المختارة صحيحة ومن تلك الشروط :
الشرط الأول : القراءة الصحيحة :
من الأخطاء الكثيرة أن كثيراً ممن يعتزمون الحفظ أو يشرعون الحفظ يحفظون حفظاً خاطئاً لابد قبل أن نحفظ أن يكون ما تحفظه صحيحاً.
وهناك أمور كثيرة في هذا الباب منها على سبيل المثال لا الحصر :
1ـ تصحيح المخارج :
إن كنت تنطق ( ثُمَّ ) ( سُمَّ ) أو ( الّذين ) ( الّزين ) فتقوم لسانك
قبل أن تحفظ ؛ لأنك إذا حفظت وأدمنت الحفظ بهذه الطريقة وواظبت ستكون
جيداً في الحفظ لكنك مخطئ فيه فلا بد أولاً من تصحيح المخارج وتصحيح
الحروف .
2ـ ضبط الحركات :
بعض الاخوة أما لضعف قراءته أو لعجلته يخلط في الحركات وهذا الخلط لا شك
أنه خطأ وأنه قد يترتب عليه خلل في المعنى إلى غير ذلك مما ليس هو موضع
حديثنا لكن لابد ان يتنبه له وأن يحذر منه .
ومن ذلك أن اللغة العربية فيها تقديم وتاخير وفيها إضمار وحذف وتقدير
وفيها إعرابات مختلفة فأحياناً لا يتنبه بعض الناس إلى تقديم المفعول على
الفاعل كما في قوله تعالى: {واذا ابتلى إبراهيمَ ربُه بكلماتٍ} .. البقرة
: 124
فبعضهم يحفظها {ابراهيمُ} و{ربَّه} أو {ربُّهْ} فيتغير بذلك المعنى المراد إلى عكسه وهو لا يميز ما وقع فيه من خطأ كبير.
ومن المعلوم أن ما حفظته حفظاً خطأ يثبت هكذا ويصعب بعد ذلك تغييره
وإزالته فتحتاج إلى عمليه استئصال لهذا الخطأ، كالذي يبني بناءً ثم يتبين
له أن هذا البناء خطأ فلابد أن يزيل البناء الأول ليقوم البناء الصحيح ولا
بد ان يزيل الخطأ أولاً ثم بعد ذلك يصحح من جديد، فلماذا تكرر الجهد
والعمل مرتين ؟! إبدأ بداية صحيحة، حتى لا تحتاج إلى كل هذا الجهد في
البناء ثم في تصحيحه مرة أخرى.
وهناك أمثلة كثيرة في مسألة ضبط الحركات، فمن ذلك ضبط حركات الضمائر، لأن الخلط في ضبط حركاتها قد يحيل المعنى إلى غير مراده .
ومثال ذلك: إذا تغيرت الحركة فصار ضمير المتكلم المخاطب أو العكس ، كما في
قوله تعالى:{وكـنتُ عليهم شهيداً ما دمتُ فيهم فلما توفيتني كنتَ أنت
الرقيب عليهم} .. المائدة : 117
فالتاء في الضميرين الاوليين مضمومة للمتكلم وفي الثانيتين مفتوحة، فأي
تغيير في هذه الحركات سوف يغير المعنى،كما يقرأ بعضهم :{وكنتُ أنت الرقيب
عليهم} فهذا اللفظ للآية لايمكن أن يستقيم مطلقاً، وهكذا كثير من الحركات
تحتاج إلى الضبط ابتداء قبل أن يخطئ فيها.
3ـ ضبط الكلمات :
وهو أشد وأخطر ، فإن الحركات منظورة يمكن أن يراها الإنسان لكن بعض
الكلمات أما لصعوبتها أو لأن هذا الحافظ ليس متمرساً في تلاوة القرآن أو
غير ذلك، وأذكر لك – أخي القارئ- بعضاً من الأمثلة التي تبين أهمية
مسألة العناية بضبط الكلمات :
* فقول الله عز ّوجلّ :{وان يكاد الذين كفروا ليزلقونك} سمعت مرة من
يقرأها {ليزقلونك} والسبق بين الحروف يحصل و عندما يراها رؤية سريعة خاصة
إذا كان مبتدأً قد يقرأها خطأً ويحفظها كذلك.
* وهناك بعض الكلمات قد يستثقلها القارئ فيقرأها قراءة خاطئة وتحفظ كذلك مثل {أنلْزِمُكُموها}.
* وبعضها ليس في القران الا مثالاً واحداً مثل قوله تعالى:{ أفمن يهدي إلى
الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدِّي الا أن يُهدى} يقرأها (أمن لا يهدي) وهو
لا يشعر لأنها كلها في القران (يهدي) فلابد أن ينتبه إلى مثل هذه الكلمات .
* ومن ذلك أيضاً ما يتعلق برسم الآية كما في سورة البقرة {فلا تخشوهم
واخشوني } بالياء، وفي المائدة { فلا تخشوهم واخشون } بدون ياء وإنما كسرة
وهذا قد يحفظه الحافظ حفظاً خاطئاً ثم يستمر عليه عند قراءتها .
* وهناك بعض الكلمات التي يختلف ضبطها من موضع لآخر ومن أمثلة ذلك :
{سُخْرِياً} و { وسِخْرياً } فتمر عليه عليه الآية الأولى فيحفظها
{سُخرياً} وكلما مرت قرأها {سُخرياً} ولم يفرق بين {سُخْرياً}
و{سِخْرِياً} في كل المواضع التي فيها.
* ومن ذلك التفريق بين حركات الجمع وضمائر التثنية : فضمير الجمع ( الذين
) غير ضمير التثنية (الذَين ) والوارد في قوله تعالى:{ ربنا أرنا الذَين
أضلانا} وبعض الناس تعود على ضمير الجمع ( الذين ) ونادراً ما يمر عليه
ضمير التثنية، فيقرأها بضمير الجمع (الذين أضلانا ) ولا ينتبه القارئ لمثل
هذا أحياناً خاصة إذا كان غير متمرس أو كان متعجلاً .
* وكذلك ما في قوله عزّ وجلّ :{فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدَين فيها} .. الحشر:17، بالتثية وليس بالجمع .
فإذاً لابد من ضبط الكلمات حتى لا يحفظها حفظاً خاطئاً والأمثلة في ذلك
كما بيننا كثيرة جداً يصعب حصرها ، وما أشرت إليه إنما هي أمثلة للتقريب .
4 ـ ضبط خواتيم الآيات
أحياناً مع السرعة والعجلة قد لا ينتبه القارئ فيحفظ حفظاً خاطئاً فمثلاً
في قوله تعالى {العزيز الرحيم} ينظر إليها القارئ نظرة سريعة ولا يتحقق
منها فيقرأها {وهو العزيز الحكيم} وهكذا يحفظها فينبغي أن يضبط ذلك حتى
تكون القراءة صحيحة قبل أن يحفظ شيئاً خاطئاً،وأنبه هنا إلى أن الحفظ الذي
فيه خطأ يبقى ويستمر ويصعب تغييره في كثير من الأحوال.
فكيف نحقق هذه القراءة الصحيحة ؟
الشرط الأول: القراءة على شيخ متقن
الأصل أن القارئ أو الحافظ لابد أن يقرأ على شيخ متقن يتلقى القرآن تلقياً
بالمشافهة وهذا هو الأصل في تلقي القرآن، فالنبي - صلى الله عليه وسلم -
تلقى القرآن مشافهة من جبريل عليه السلام والنبي - صلى الله عليه وسلم -
لقنه أصحابه، والصحابة لقنوا من بعدهم، فليس القرآن كتاباً يقرأ مثل غيره
من الكتب ففيه رسم خاص به فبعض الكلمات ترسم بطريقة غير ما تنطق به .
وهذا كله لا يتيسر لك معرفته بمجرد القراءة ، فالأصل أن تكون متلقياً من
شيخ قد أتقن وتعلم، فهو الذي يقرأ لك الصفحة ويصححها لك أولاً ثم تمضي بعد
ذلك لتحفظ حفظاً صحيحاً .
فإذا كنت قد تلقيت التجويد والقراءة وأحسنتهما فلا بأس أن تبدأ بتطبيق هذه
الطرق سواء الأولى أوالثانية لكن لابد أن تكون قد أتقنت القراءة وعرفتها
وقرأت متلقناً أما ختمة كاملة أو معظم القران مما يضبط لك هذا الجانب .
.